في كل ليلة، يتصل الصحفي «بلال سرواري» بالهاتف من منزله في كابول، ويطمئن على الأصدقاء العالقين في القواعد العسكرية الأفغانية في جميع أنحاء البلاد وهم يقاتلون متمردي «طالبان» الذين يواصلون التقدم. ومع سيطرة «طالبان» على منطقة تلو الأخرى، وبناء الزخم في ساحة المعركة مع مغادرة القوات الأميركية بعد 20 عاماً، يتواصل هؤلاء الأفغان مع مسؤولي كابول من أجل القيادة والدعم، لكنهم نادراً ما يحصلون على رد.
يقول سرواري: «يطلب الجنود وقوات الكوماندوز الطعام والماء والذخيرة»، مشيراً إلى مأزق الضباط الأفغان وعملاء المخابرات، الذين يعرفهم وهم من مقاطعة كونار، مسقط رأسه.
ويضيف: «من المؤسف أن كل مكان في أفغانستان يمثل خطاً للمواجهة الآن. فالقتال على أعتاب الأفغان». كما يعاني الأفغان الآن من «اضطرابات نفسية، والناس مرعوبون».
واليوم، زاد هذا الضغط، حيث أعلنت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنهما قد أخلتا قاعدة باجرام الجوية شمال كابول، مركز التدخل العسكري الغربي في أفغانستان منذ عام 2001.
قلة هم الذين شككوا في أن «طالبان» ستهدف إلى تحقيق النصر العسكري، حيث تتفاخر بهزيمة القوة العظمى الأميركية. يعرف الأفغان تكتيكات «طالبان»، بما في ذلك الابتزاز والتخويف والإكراه، المصحوب بالعنف المتفجر وسفك الدماء. لن يفوز المتمردون في مسابقة شعبية. لذا، بينما تبتعد أميركا عن أفغانستان، مما يثير شبح الحرب الأهلية، يبرز السؤال: عندما تكون المشاعر المناهضة لـ«طالبان» قوية جداً، لماذا تكون الحكومة الأفغانية ضعيفة جداً؟
كشفت الأزمة كما لم يحدث من قبل عن عدم الثقة في أداء الحكومة الأفغانية، مع تآكل مؤسساتها بفعل الفساد والاقتتال السياسي، وضعف انخراطها مع المواطنين الأفغان العاديين، على الرغم من استثمار استمر 20 عاماً ويقدر بمليارات الدولارات من المساعدات الغربية وبناء الأمة.
تقول «أورزالا نعمات»، المحللة الأفغانية المخضرمة المقيمة في كابول: «الحكومة ضعيفة، فعلى الرغم من أن الرئيس كان يتحدث دائماً من الناحية النظرية عن (عقد اجتماعي)، فإنه في الممارسة العملية لم يحقق ذلك». وتضيف: «لهذا السبب، بقدر ما يكره الناس «طالبان»، فقد سئموا من المسؤولين الحكوميين، ولم يهتموا كثيراً بهم أو يدعموهم».
لم يتضح بعد متى ستغادر القوات الأميركية المتبقية، مما ينهي رسمياً أطول حرب أميركية على الإطلاق.
يأتي الرحيل الأميركي غير البارز، قبل شهرين من الموعد النهائي للانسحاب الذي حدده الرئيس جو بايدن في 11 سبتمبر، في الوقت الذي تكافح فيه حكومة الرئيس غني ضد هجوم غير مسبوق لـ«طالبان». في الأسابيع الأخيرة، وضع هذا التقدم عشرات من مراكز المقاطعات في البلاد تحت سيطرة المتشددين - غالباً دون إطلاق رصاصة واحدة، حيث استسلمت القوات الأفغانية المحاصرة بوعود بتوفير ممر آمن إلى الوطن.
احتلت أفغانستان المرتبة 165 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. في الواقع، أشار تقرير صدر اليوم عن شبكة المحللين الأفغان «AAN» إلى «إهمال وعدم كفاءة» من جانب الحكومة بقدر «قوة طالبان»، كسبب للتقدم الخاطف الأخير للمتمردين.
وأفادت الشبكة أن هجمات «طالبان» واسعة النطاق مع انسحاب الولايات المتحدة كانت «متوقعة، لكن حجم وسرعة انهيار (قوة الأمن الأفغانية) لم يكن كذلك».
وقال تقرير الشبكة: إن إعلان الرئيس بايدن في أبريل عن انسحاب غير مشروط وسريع للقوات الأميركية «أدى إلى تغيير توازن وطبيعة الصراع بشكل مفاجئ وحاسم» لصالح «طالبان».
بعد أن باتت غير خائفة الآن من الضربات الجوية الأميركية التي كانت ذات يوم مدمرة، تنخرط «طالبان» الآن في تكتيكات الأرض المحروقة، والتي تتراوح من حرق المحاصيل وزرع البساتين بالألغام الأرضية إلى تدمير الجسور وتجريف الطرق.
عندما زار الرئيس أشرف غني البيت الأبيض قبل أسبوع، وعد الرئيس بايدن بمواصلة الدعم الأميركي، بما في ذلك طلب 3.3 مليار دولار للمساعدة الأمنية العام المقبل، والتي ستشمل التدريب والدعم الفني من خارج البلاد. ولكن هل ينفد الوقت بالنسبة لهذه الخطط؟
القائد الأميركي في أفغانستان، الجنرال «أوستن ميللر»، أشار إلى أن «الحرب الأهلية هي بالتأكيد طريق يمكن تخيله إذا استمر هذا على المسار الذي يمضي به الآن». وعزز هذا الرأي تقييم استخباراتي أميركي حذر الأسبوع الماضي من أن حكومة كابول قد تسقط في غضون ستة أشهر بعد مغادرة الأميركيين.
وقال عبد الله عبد الله مبعوث المصالحة الحكومي في الأيام الأخيرة: «الحقيقة هي أن بقاء أفغانستان وأمنها ووحدتها في خطر اليوم. ولا توجد طريقة أفضل من السلام».
لكن السلام لم يتحقق بين حكومة كابول والمتمردين، على الرغم من اتفاق الانسحاب بين الولايات المتحدة و«طالبان» الموقعة في أوائل عام 2020، ومحادثات السلام بين الأفغان التي بدأت في سبتمبر الماضي.
كما أدت التغييرات المتكررة في مجلس الوزراء وكبار الضباط الأمنيين إلى زيادة الارتباك في القيادة والسيطرة وانعدام الاتساق، خاصة مع تصعيد «طالبان» للعنف.* كاتب أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»